الفتوى اللغوية الثانية :

❓ السؤال :
سلام الله عليكم كيف حالكم أتمناكم بخير حال، نشكركم نظير الفقرة التي قمتم بإدراجها مؤخرا
هناك من يقول إن الأفصح قولنا من طريق؛ فهي عبارة نقلت سماعا عن العرب، أما عبارة عن طريق فهي عبارة ظهرت مؤخرا فهل هذا صحيح؟
✅ الإجابة :
الفرق بين عبارتي عن طريق ومن طريق
1- تأتي عبارة “عن طريق” بمعنى “بطريق”، حيث ترد عن بمعنى الباء، من باب التضمين، ومن أمثلته:
أ- قول الشافعي رحمه الله (204هـ) ينقل حديثا عن جمعٍ من الرواة: “(أخبرنا) مُسْلِمُ بنُ خالدٍ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن ابنِ شِهابٍ: الحديث الذي رويته عن حَفْصَةَ وعائشةَ أنَّهما أصْبَحَتَا صائمتينِ فأُهْدِيَ لهما شيء فَأَفْطَرَتَا فَذَكَرتا ذلكَ للنبي صلى اللَّهُ عليهِ وسلم فقال: «صُومَا يَوْماً مكانه» (أي لا بأس عليكما في الإفطار ولكن صُومَا يوما آخر بدله ‌عن ‌طريق الندب لا الإيجاب”. أي بطريق الندب، ومن جهته.
ب- قول الجاحظ (255هـ): “وما سمعنا بأحد من الخطباء كان يرى إعادة بعض الألفاظ وترداد المعاني عِيّا، إلا ما كان من النخار بن أوس العذري، فإنه كان إذا تكلم في الحمالات، وفي الصفح والاحتمال، وصلاح ذات البين، وتخويف الفريقين من التفاني والبوار- كان ربما ردد الكلام ‌عن ‌طريق التهويل والتخويف”. أي بطريق التهويل، أو بغرضه.
2- وتأتي عبارة “عن طريق” عند القدامى بمعنى (من خلال)، أو (بواسطة)، لكنه ليس بالكثرة التي نجدها في نصوص المحدثين؛ ومن أمثلته النصوص التالية:
أ- قول يحيى بن سلام (200هـ): “ولا يعني هذا أنّ ابن سلاّم الحفيد لم يكن ذا علم، لكنَّه لم يبلغ درجة جدّه في ذلك. وربَّما صحّ قولنا بأنَّه اكتفى بنشر ما وصله من كتب جدّه ‌عن ‌طريق ‌الرواية”.
ب- وقول أبي بكر الجصاص (370 هـ):”وإنما الكفارة لها شرط آخر، وهو أن يكون المقتول على حال يصح وصفه معها بالإيمان أو الكفر، إما ‌عن ‌طريق ‌الحكم، أو من جهة الحقيقة”. أي بالحكم، أو بواسطة الحكم.
د- ومن شواهد المحدثين قول محمود فهمي حجازي: “وظهور هذه المؤلفات يعكس أمرًا جديدًا، فلم تعد اللغة تتعلم سماعًا، وإنما أصبحت تؤخذ ‌عن ‌طريق الكتب”.
3- أما عبارة “من طريق” فأكثر استعمالها عند القدماء والمحدثين أن يراد بها تحديد موضع أو مسار أو شيء ما عبر طريق من طرق عدّةٍ قد يُؤتى منها، وعلى هذا ففيها معنى التبعيض؛ ومن أمثلتها في نصوص القدامى ما يلي:
أ- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه في أول غزوة أحد قبل ملاقاة قريش: “ما من رجل يخرج بنا على القوم من كثب – أي قريب- ‌من ‌طريق لا يمر بنا عليهم؟”.
ب- وقول أبي حنيفة النعمان (150هـ): “وَالله تَعَالَى وَاحِد لَا ‌من ‌طَرِيق الْعدَد وَلَكِن ‌من ‌طَرِيق أنه لَا شريك لَهُ”.
4- ومن التبعيض كذلك في عبارة “من طريق” الاستعمالُ الاصطلاحي الذي نجده في كتب الحديث مرادا به إحدى الطرق التي يُروى منها الحديث، أو في كتب القراءات مرادا به إحدى الطرق بعد الراوي الأول لقراءة مّا، ومن أمثلته:
أ- قول أبي محمد عبد الحق الإشبيلي (582هـ) عن حديث: “الْخَيلُ فِي نَوَاصِيهَا الخَيرُ”:
“‌ذكره ‌البخارىِ ‌من ‌طريق أخرى، وكذلك أيضًا ذكره مسلم من طريق البخاري”.
ب- وقول ابن الجرزي (833هـ) مصححا لمن يخطئ في العمل بظاهر الشاطبية:
“وَبَعض أَصْحَابنَا، مِمَّن يعْمل بِظَاهِر الشاطبية، يَأْخُذ للسوسي فِي ذَلِك أَرْبَعَة أوجه: فتحهما، وإمالتهما، وَفتح الرَّاء وإمالة الْهمزَة، وَعَكسه، وَلَا يَصح ‌من ‌طَرِيق ‌الشاطبية، والتيسير: سوى الأول”.

الأستاذ عمر لحسن و الأستاذ الطيب دبّه
عضوان دائمان بالمجمع الجزائري للغة العربية

آخر تحديث 16 أكتوبر، 2024