5 مارس ذكرى وفاة الأستاذ عبد الرحمن الحاج صالح

اليوم تمرّ الذكرى السادسة لوفاة الأستاذ عبد الرحمن الحاج صالح رحمة الله عليه (5 مارس 2017)، ذاك الرّجل الفذّ الذي ابتغى حياة جادة لا مجال فيها للترويح عن النفس أو تزجية الفراغ بمجالس الأنس، لأنه لم يكن لديه فراغ في حياته ولم يكن لديه أصحاب يمضي معهم فائضا من وقته. لقد عاش حياة صعبة قاسية موغلة في الجديّة والعمل المفيد.

إنه رجل صادقٌ صاحَب رجالا من طينة فريدة أحبّهم وعاش بين أفكارهم التي تبحّر فيها وهام بها واستخرج دررها وفصّها بين يديه وألقى بها إلى طلبة العلم يلتقطون جواهرها في نهم الجائعين المتعطشين للمزيد. وعندما توفاه الله فقد فيه تلاميذه العالم النحرير واللّساني الفذّ والأستاذ النّابغة. لقد صاحب الخليل وسيبويه وابن جني والجرجاني والرضي الاستراباذي وغيرهم من علماء العربية القدماء وتمرس بعلمهم الذي حمله بأمانة وإخلاص، وانبرى له يمحّصه ويستكشف دقائقه ويقلّب كلامهم ظَهرا على بطن ومن كل جانب حتى استخرج عصارته وتشبّع برحيقه، وعرض ذلك كله على مقولات المعاصرين من أساطين علم اللّسان البشريّ في مختلف اللّغات مبرزا بكل ابتهاج تفرّد علماء العربيّة القدماء وتفوقهم ومنبها على عبقريّة اللّغة العربيّة المطواعة وقدرتها اللّامتناهية في استيعاب كل أشكال التّعبير عن العلوم والفنون والآداب.

لقد قسا حقا على نفسه وحملها على الجدّ وحده، وقسا على طلبته في تكوينه لهم رغبة منه في استفراغ الجهد في تحصيل المعرفة العلميّة حيث كان شعاره دوما “آفة العلم التساهل”. إنه رجل لم يعرف الكلل ولا الملل في البحث والتّدريس وظلّ منافحا عن العربيّة ساعيا إلى إقناع الآخرين بسداد رأيه متشبثا بمواقفه العلميّة في صلابةٍ وقوةٍ، وعاش على ذلك إلى آخر رمق من حياته.

لقد افتقدنا في وفاة هذا الرجل الفذّ الأستاذ القدير والعالم النّحرير والباحث المتمرّس، فرحم الله الأستاذ عبد الرحمن الحاج صالح وجازاه خيرا عمّا قدّمه من أعمال طيلة حياته الغنيّة المثمرة.

الأستاذ الشريف مريبعي

رئيس المجمع الجزائري للغة العربية

الجزائر في 5 مارس 2023